الخميس، 27 نوفمبر 2008

الجوانب المالية والاقتصادية في النظام الفيدرالي (1)


الجوانب المالية والاقتصادية في النظام الفيدرالي (1)

القاضي قاسم حسن العبودي
Wednesday, 30 April 2008
مدخل: تعد الجوانب المالية والاقتصادية في الدول الفيدرالية من أكثر المسائل تعقيداً وإثارة للجدل والنقاش وذلك لتأثيراتها الفائقة على القوة الاقتصادية
للحكومات الفيدرالية والمحلية ومواطني الدول الفيدرالية على حدٍ سواءً.

وعلى الرغم من تعدد النماذج الفيدرالية فـي العالم ووجود أكثر من (25) دولة فيدرالية إلا انه يمكن القول ومن خلال تتبع وتحليل المجالات الاقتصادية في هذه الدول بأنه لا يوجد نظام واحد أوعدد قليل فقط من الأنظمة التي تحكم وتنظم العلاقات المالية بين المستويات الحكومية المتعددة بصورة عمودية أو أفقية (بين الولايات أو الأقاليم الفيدرالية)، وإنما اختلفت وتعددت هذه النظم بتعدد الدول الفيدرالية وعولجت كل مشكلة وفقاً لمنظور خاص حدد في دستور تلك الدول أو قوانينها. إلا إن ذلك لا يعني عدم إمكانية إيجاد صيغ عامة لمعالجة هذه المشاكل بالاعتماد على تجارب الدول الفيدرالية في العالم والتي أفرزت تجاربها في هذا الميدان العديد من نقاط القوة والضعف في التطبيقات المالية والاقتصادية المختلفة.

لقد اهتم الباحثون الاقتصاديون بهذا الميدان المهم جداً وظهر إلى الوجود ما أصبح يطلق عليه موضوع الفيدرالية المادية (Fiscal Federalism) التي كما تم تقديمها من قبل Musqrave (1959) و Oates(1972)بأنها السياسة المتمثلة بتوزيع الثروات الطبيعية وتحديد الصلاحيات المالية بطريقة منطقية بين المستويات المتعددة من الحكومات في البلدان الفيدرالية([1]).

ويشمل هذا الموضوع مدى واسع من المجالات والمتغيرات الاقتصادية والمالية المختلفة ابتداءً من تحديد ملكية الثروات والموارد الطبيعية وعائديه إيراداتها وطريقة توزيعها بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم مروراً بالسياسة المالية والنقدية للحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم وصولاً إلى إعداد الميزانية الفيدرالية ونظام المدفوعات الفيدرالي والسياسة الضريبية والعلاقات الاقتصادية والمالية بين الأقاليم المختلفة وبينها وبين الحكومة المركزية ودول العالم.

وإذا أردنا أن نناقش كل هذه الموضوعات بإسهاب فإن الأمر سيتطلب الكثير من الجهد والوقت الذي لا يتسع له المجال في نقاشنا هذا الذي سنحاول التركيز فيه ما أمكن على أهم الجوانب المالية والاقتصادية في الدول الفيدرالية من خلال الجمع بين الجوانب النظرية والتطبيقية في بعض نماذج الفيدرالية العالمية ومحاولة إيجاد النظام الأفضل للعراق، وحسبنا هنا مجرد المحاولة التي نرجو أن تكون مفيدة للباحثين الآخرين والقائمين على الاقتصاد العراقي.

أولا: الثروات الطبيعية
تمثل الثروات الطبيعية احد أهم مصادر الدخل في العديد من البلدان لاسيما ا ذات الاقتصاد ألريعي وهو ذلك الاقتصاد الذي يعتمد على مصدر وحيد للدخل تقريباً يتمثل بإيرادات الموارد الطبيعية للبلد وبخاصة الثروتين النفطية والغازية وهذا ما يميز الاقتصاد العراقي طبعاً.

ولذلك فأن الصراع على ملكية الثروات الطبيعية المتواجدة في الأقاليم أو الولايات الفيدرالية قد حظي بمساحة واسعة من الجدل والنقاش وأفردت له العديد من الدراسات والمقترحات وجلسات العمل واختلفت المعالجات الدستورية والقانونية لهذا الموضوع باختلاف طبيعة النظام السياسي والاجتماعي للدول الفيدرالية فضلاً عن الطبيعة الاقتصادية لذلك النظام.

ففي الدول الفيدرالية المتقدمة اقتصادياً أصبح موضوع الثروات الطبيعية لا يشكل المصدر الأساس للدخل فيها نتيجة لتنوع النشاطات الاقتصادية المختلفة من ( الصناعة، السياحة والخدمات ) وغيرها ولذلك تم حسم الجدل في معظم تلك البلدان بأن تعود ملكية الثروات الطبيعية إلى الأقاليم أو الولايات التي توجد فيها هذه الثروات كما هو الحال في كـــندا واستراليا وسويسرا([2]), مع بعض الاختلافات بين دولة وأخرى من قبيل ملكية الثروات الطبيعية في المياه الإقليمية التي تعود للحكومة الفيدرالية في استراليا بينما هذه الثروات من ملكية المحافظة ( ( Province المطلة على المياه الإقليمية في حالة كندا في حين تتسع ملكية الثروات الطبيعية لتشمل مصادر المياه أيضا في سويسرا.

إن الأمر لا يقتصر على الدول المتقدمة اقتصادياً والتـي لا يمثل فيها دخـل الثروات الطبيعية ألا جزءً يسيراً من دخلها القومي وإنما يتسع ليشمل الدول الريعية كما أسلفنا والتي يعتبر فيها القطاع النفطي أهم القطاعات الاقتصادية في البلد، ففي هذه البلدان كانت ملكية الثروة الطبيعية تعود للإقليم أو الولاية أيضا كما هو الحال في الإمارات العربية المتحدة، إذ ينص الدستور الإماراتي على أن ملكية الثروات الطبيعية تعود للإمارة التي توجد فيها هذه الثروة([3]), وكذلك الحال في الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا الاتحادية حالياً مع بعض الاختلافات إذ تسيطر الحكومة المركزية فعلياً على إيرادات القطاع النفطي الضخم في روسيا.

إن طبيعة المعالجة لملكية الثروات الطبيعية أنما تختلف من دولة لأخرى وذلك بسبب طبيعة تشكيل تلك الدول إذ أن معظم الدول الفيدرالية هي في الحقيقة قد تشكلت من خلال اتحاد مجموعة دول مستقلة أو إمارات مستقلة ولذلك احتفظت كل دولة أو إمارة بملكيتها لثرواتها الطبيعية كجزء من الضمان لتلك الدولة، ويؤدي تقسيم الثروات الطبيعية بهذه الطريقة الى ظهور مشاكل حقيقية وأساسية تتعدى المستوى الاقتصادي للفيدرالية، إلا إننا هنا سنركز فقط على التداعيات الاقتصادية لمثل هذا التوزيع فملكية الثروة الطبيعية للإقليم أو الولاية سيعني تمتع بعض الولايات بدخل قومي اكبر مقارنة بالولايات الأخرى خصوصاً في الدول الريعية كالعراق مما يعني تحسن اقتصاديات بعض الولايات وزيادة دخل الفرد فيها مما يؤدي إلى حدوث عدم التوازن أو الفجوة الاقتصادية "economic gap " بين المستويات المتعددة للحكومات وستمتلك الحكومة المحلية في الإقليم الذي يمتلك الثروة قوة تأثير اكبر في القرارات المركزية وسنشهد في مثل هذه الأوضاع هجرة طبيعية للأفراد باتجاه هذه الأقاليم وتركزاًَ في النشاط الاقتصادي لا يصب في مصلحة الدولة الفيدرالية.

إذن كيف يمكن حل مثل هذه المشكلة، في الحقيقة هناك العديد من الحلول أهمها تحديد نظام المدفوعات للدولة الفيدرالية الذي ينظم حصة كل ولاية في الميزانية الفيدرالية التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الدخل المحلي لكل ولاية وحجم إيراداتها ومصاريفها المتوقعة وكذلك من خلال النظام الضريبي على المستوى الفيدرالي والمحلي الذي سنعالجه لاحقاً.

وفي حقيقة الأمر أن معظم التجارب الفيدرالية في العالم والتي تمكنا من الاطلاع عليها كانت تتضمن تثبيت ملكية الثروات الطبيعية للأقاليم أو الولايات التي تقع تلك الثروات فيها، ولكنها تمكنت من خلال استخدام بعض السياسات والنظم الإدارية والمالية من إعادة توزيع الثروة بشكل أدى إلى تقليص أو تلاشي التباين في دخل كل إقليم.

وإذا ما انتقلنا إلى العراق فأن هذه المسألة تعد من اخطر واهم المسائل الخلافية في موضوع الفيدرالية وتنبع المشكلة الأساسية في هذا المجال من تركز الثروات النفطية والغازية وهي الثروات الطبيعية الأهم والأعلى قيمةً في المناطق الجنوبية والشمالية الشرقية من البلاد في حين تعاني مناطق الوسط والغرب من افتقار واضح لهذا النوع من الموارد الطبيعية.

وفي هذا الإطار يمكن تحديد طريقة توزيع الثروات النفطية والغازية في العراق كالآتي([4]):
أـ النفط : يمتلك العراق احتياطياً هائلاً من النفط الخام يصل إلى 112 مليار برميل ويمثل ما نسبته 11% من حجم الاحتياطي العالمي وهو يمثل ثاني اكبر احتياطي من النفط الخام في العالم بعد العربية السعودية ويتوقع البعض أن يفوق الاحتياطي النفطي العراقي نظيره في دول الخليج إذا ما تم إجراء عمليات البحث والتنقيب في الأراضي العراقية التي لم تخضع لأي مسح جيولوجي كامل ولم تستخدم فيها التقنيات الحديثة الخاصة بالمسح باستخدام المجسات ثلاثية الأبعاد ( 3D seismic) التي يجب أن تحل محل الأساليب القديمة مثل عمليات الحقن المائي (( water injection أو ( flooding) ويحوي العراق 73 حقلاً بترولياً ويتراوح عدد الآبار المنتجة ما بين 1500 – 1700 بئر نفطياً ويتوقع أن تصل عدد هذه الآبار إلى مستوى 100 ألف بئر بعد انجاز عمليات التنقيب، وتمثل الحقول الجنوبية الواقعة في (البصرة والعمارة) عصب الإنتاج والاحتياطي النفطي العراقي إذ تضم هذه الحقول حالياً ما نسبته 75% من احتياطي النفط العراقي ومن أهم الحقول النفطية في العراقي الآتي :
1. حقل الرميلة الشمالي والرميلة الجنوبي وهو يحتوي على أكثر من 663 بئراً منتجاً وبطاقة إنتاجية يمكن أن تصل إلى 3 مليون برميل يوماً.
2. حقل القرنة الغربي وهو بطاقة إنتاجية تصل إلى 225 ألف برميل يومياً ويعد هذا الحقل احد الحقول القابلة للتطور الهائل إذ يمكن أن تصل الطاقة الإنتاجية له بحدود (2 ـ 3) مليون برميل يومياً.
3. حقول مجنون وهي من أضخم حقول النفط في المنطقة إذ تقدر مخزوناتها الاحتياطية بعدة مليارات البراميل النفطية ويتوقع إذا ما تم تطويرها أن تضاعف حجم الإنتاج النفطي العراقي.
4. حقول كركوك وهي من الحقول الضخمة وتنتج احد أجود أنواع النفط العالمية (النفط الخفيف) وبطاقة إنتاجية تصل إلى 5،1 برميل يومياً قابلة للزيادة بمستويات كبيرة مستقبلاً.
5. حقول أخرى أقل حجماً مثل حقل بغداد الجنوبي، حقل الزبير، أبو غراب، أبو رزقان جبل فوقي وغيرها والتي تتراوح الطاقة الإنتاجية لبعضها ما بين (150 ـ 200) ألف برميل يومياً.
ب ـ الغاز الطبيعي : تعد هذه الثروة المصدر البديل للنفط الخام ومصدر الطاقة المستقبلي كما يتوقع العديد من الخبراء ومن المتوقع أن يزداد استخدام العالم للغاز الطبيعي خلال العقود الثلاث القادمة سواءً في توليد الطاقة الكهربائية أو التدفئة أو الصناعات الكيماوية المختلفة ويملك العراق حالياً بحدود (3110) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي أي ما نسبته (2%) من الاحتياطي العالمي وهو بالمرتبة التاسعة في ترتيب الدول الأكثر امتلاكاً للاحتياطيات من الغاز الطبيعي , وتشير إحدى الدراسات الحديثة الصادرة عن وزارة النفط العراقية إلى أن الاحتياطيات المقدرة للعراق قد تبلغ (9250) مليار متر مكعب ووفقاً لهذه الاحتياطيات فأن العراق سيمتلك (6% ) من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي. ووفقاً للدراسة نفسها فإن (83%) من الاحتياطيات تقع في المنطقة الجنوبية وذلك لان اغلب الغاز الطبيعي في العراق هو من نوع " الغاز المصاحب " أي يكون مرافقاً لحقول النفط الخام، علماً أن سعر المليون وحدة حرارية من الغاز يبلغ (2 ـ 3) دولار وهي تعادل 25 متراً مكعباً من الغاز الطبيعي.

إن هذه الصورة المقطعية لتوزيع الثروة النفطية والغازية في العراق لايمكن أن تكون نهائية ومكتملة فاغلب الباحثين المتخصصين والعديد من الدراسات تشير إلى أن معظم الأراضي العراقية يمكن أن تحتوي على خزين هائل من النفط سواءً في إقليم كردستان أو حتى في المناطق الوسطى والغربية ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو الاكتشاف النفطي الأخير في إقليم كردستان الذي باشرت إحدى الشركات الأجنبية بعمليات استخراجه و يتوقع أن تبلغ كمية الإنتاج فيه بحدود (50 ـ 100) ألف برميل يومياً في البداية([5])، ويمكن بعد ذلك تطوير الإنتاج ومضاعفته خلال السنوات الخمس التالية . وهذا البئر يعتبر واعداً جيداً على المستوى العالمي رغم أن تكاليف إنتاج النفط في هذه المنطقة اكبر بكثير من تكاليف إنتاجه في حقول الجنوب العراقي التي لا تتجاوز النصف دولار للبرميل، إلا أن ذلك لا يمنع من إمكانية تطوير الإنتاج ومضاعفته والاهم من ذلك إمكانية اكتشاف المزيد في الحقول النفطية في هذه المنطقة الواعدة. وأرى أن المنطقة الغربية لابد من إن تحتوي على مخزونات مناسبة من النفط الخام خصوصاً إذا ما تم استخدام تقنيات المسح الجوي الحديث وغيرها من الأساليب الحديثة في اكتشاف النفط والغاز الطبيعي.

هذا فيما يتعلق بثروة النفط والغاز الطبيعي ولكن إلا توجد ثروات أخرى طبيعية في العراق؟ الجواب هو نعم ولكن إيرادات بيع هذه الموارد ما زالت محدودة ولا يتوقع أن تشكل دخلاً كبيراً للعراق إذ يمتلك العراق احتياطيات هائلة من صخور الفوسفات وبكمية تصل إلى 2000 مليون طن وتتركز اغلب هذه الاحتياطات في منطقة عكاشات في الصحراء الغربية وهناك كميات مختلفة من الموارد الطبيعية كالغار وأحجار الكلس والرخام والجبس ورمل الزجاج وخامات الحديد والزنك والنحاس يتركز اغلبها في المناطق الغربية من العراق([6]).

والآن يمكن أن نتساءل كيف يمكن أن نوزع ملكــــية هذه الثروات بين الأقاليم والمركز ؟ ومن خلال استقراء التجارب العالمية ونظراً للأوضاع السياسية والاقتصادية الخاصة في العراق، فأن الحل القاضي بملكية الثروة النفطية والغازية للإقليم أو المنطقة التي يتواجد فيها لا يعد مناسباً لحالة العراق وذلك للأسباب الآتية:
1. إن العراق دولة بسيطة في طور التحول إلى دولة فيدرالية وهذا الأمر يناقض معظم التجارب العالمية ولذلك فأن ملكية الثروة الطبيعية كانت تاريخياً لجميع المواطنين في العراق (من الناحية النظرية على الأقل) أي لم تكن هذه الثروة تعود بالأصل لبلد أو إمارة تريد الاندماج مع دولة قائمة أو مجموعة دول لتشكيل دولة فيدرالية وبذلك تكون مطالبها بالاحتفاظ بملكية الثروة مشروعاً لضمان حقوق مواطنيها بل على العكس في حالة العراق فأن شيوع ملكية الثروة الطبيعية (خصوصاً النفط والغاز) سيكون عاملا مساعداً لضمان وحدة العراق وتحقيق المساواة بين كافة أبنائه.

2. إن إيراد الثروة النفطية يشكل ما نسبته 95% من إيــرادات الموازنة الحكومية([7]).وهذا يعني أنه يمثل مصدر الدخل الوحيد تقريباً للحكومة المركزية وسيؤدي حرمان هذه الحكومة من مصدر الدخل هذا تعطيلاً فعلياً لنشاطها ويحدد من قدراتها وتأثيرها مما يعطي قوة اكبر للحكومات المحلية والأقاليم مما يؤدي إلى خلق الفجوة الاقتصادية والهجرة الكثيفة باتجاه هذه الأقاليم.

3. إن الثروة النفطية كما مر علينا سابقاً تتركز في 3 ـ 4 محافظات فقط تتوزع جنوب العراق وشماله وانفراد هذه المناطق بملكية الثروة الطبيعية فيها سيؤدي إلى حرمان باقي المحافظات من الثروة مما يؤدي إلى خلق مشاكل حقيقية تتجاوز المستوى الاقتصادي لتتسع سياسياً واجتماعياً مما يشكل تهديداً حقيقياً لوحدة العراق، يضاف إلى ذلك الصراع المحتدم على الحدود البلدية لكل محافظة إذ أجريت العديد من التعديلات على هذه الحدود من قبيل ضم أقضية أو نواحي إلى محافظات معينة واقتطاع أخرى لتكون تابعة من الناحية الإدارية والتنظيمية لمحافظات أخرى.

4. وإذا علمنا أن طبيعة الحقول النفطية عادة ما تكون مشتركة ليس على مستوى المحافظات فقط وإنما على المستوى الإقليمي أيضا فهناك حقول نفط مشتركة بين العراق والكويت (الرميلة) وبين العراق وإيران وهكذا، فأن ذلك سيخلق مشكلة إضافية نحن في غنى عنها تتعلق بعائدية الحقول المشتركة وحصة كل طرف منها وهذا ما نلاحظه الآن في الصراع على حقول النفط في جنوب السودان الذي لم يحسم حتى الآن بسبب وقوع آبار النفط على الحدود التي تفصل جنوب السودان (الذي يتمتع بحكم ذاتي محدود) وبين باقي الأراضي السودانية، فضلاً عن الصراع السابق على حقول النفط الواقعة على الحدود بين اليمن الجنوبية واليمن الشمالية سابقاًَ أو غيرها من الصراعات الإقليمية والدولية التي تمثل بؤر نزاع وتوتر محتملة والعراق في غنى عن ذلك كله.

اذن من وجهة نظرنا لا يعد هذا الحل مقبولاً أو مناسباً للحالة العراقية على الأقل في المدى المنظور، ويمكن تقديم حلول أخرى ترتكز على نقطة أساسية هي أن (الثروات الطبيعية ملك لكل أفراد الشعب العراقي وتوزع على المحافظات بصورة عادلة وفقاً لعدد السكان وحاجة كل محافظة ) وهذا ما نص عليه الدستور الدائم للعراق في الفقرة (112)([8]).
وهو حل يرضي جميع الأطراف تقريباً ويمثل ضمانة لوحدة العراق وهناك الكثير من التفاصيل المرتبطة بهذا الموضوع والتي تتعلق بإدارة الحقول النفطية والجوانب التنظيمية الأخرى المتعلقة بحقوق الاستثمار والتي يجب أن تنظم بقوانين خاصة.

ويبقى هناك مقترح يمكن أن يساعد في تعزيز شعور المواطنين بملكيتهم للثروة النفطية وتحسين الظروف الاقتصادية لهم ويتضمن الآتي :
1. تسيطر الحكومة الفيدرالية على إيرادات الثروات النفطية والغازية كلها في أي مكان في العراق سواءً المكتشفة منها سابقاً أو التي ستكتشف لاحقاً.
2. تقتطع نسبة 25% من هذه الإيرادات سنوياً لتوَزع كالآتي :
· نسبة 10% تذهب لصندوق خاص توزع إيراداته على المواطنين العراقيين المقيمين في العراق بصورة متساوية تماماً.
· نسبة 10% تذهب لصندوق خاص لتنمية الأقاليم التي تتواجد فيها هذه الثروات وتضاف إلى حصة الإقليم من الموازنة العامة شرط إنفاقها في مجال الخدمات العامة (كالصحة ـ التعليم ـ الاتصالات وغيرها).
· نسبة 5% تذهب لصندوق خاص على غرار صندوق الأجيال في الكويت ويتم تنظيم هذا الصندوق بقانون خاص يحمي هذه المدخرات ويحدد شروط استثمارها وكيفية الانتفاع منها للأجيال اللاحقة.

إن هذا الحل وان كان يقتطع نسبة لا بأس منها من الإيرادات النفطية إلا إنه يستند إلى فكرة أساسية هي وجوب تحول الدولة العراقية من دولة ذات اقتصاد ريعي وحيد الجانب إلى دولة ذات اقتصاد متنوع تكون فيه الإيرادات الضريبية ذات أهمية نسبية أعلى فضلاً عن الإيرادات الأخرى التي يمكن تحقيقها من المنشآت الحكومية والخدمات الحكومية وغيرها.

فضلاً عن ذلك فأن هذا الحل سيؤدي إلى تعزيز ثقة المواطن بمواطنته والإحساس بأنه يمتلك الثروة فعلاً ويستفيد منها بصورة مباشرة ومتساوية مع أي مواطن آخر .

وعلى العموم فإن هذا المقترح يحتاج إلى الكثير من الدراسة والنقاش على المستويات كافة قبل إقراره دستورياً.
[1] . البروفسور باتريك كلين، هيكلية القضاء في الدول الفدرالية، ط جامعة ميك كل (مونتريال كندا).
[2] . مكي ناجي، المحكمة الاتحادية العليا في العراق، الطبعة الأولى- 2007.
[3] . مكي ناجي، المصدر السابق.ص127.
[4]. Arher،D. (The Fiscal Federalism)، Journal of Economic Study، Vol 112 No. 2417، 2005،U.K.
[5]. .www.fdk_cdf.ch. Kurt stadlir ( The Conference of Cantonal Finance Ministers، 2006)
[6] . دستور الامارات العربية المتحدة، منشور على الانترنيت موقع شبكة المحامين.
[7] . د.الفريجي،حيدر ( الجوانب الاقتصادية في فيدرالية الجنوب)، مجلة معا للابحاث، العدد الاول 2005، بغداد – العراق.
[8] . نشرة العراق النفطية العدد11، مركز الشرق للدراسات الاقتصادية، بغداد – العراق 2006.

ليست هناك تعليقات: